من أساليب عمر بن الخطاب فى الرقابة ومساءلة الولاة
ما فعله مع عتبة بن أبى سفيان عامله على كنانه ، إذ حينما قدم عتبه ومعه مال ، قال له عمر : ما هذا يا عتبه ؟
قال عتبه : مال خرجت به معى واتجرت فيه .
فقال له عمر : ما بعثنا بك للتجارة ، وإنما بعثنا بك للإمارة . ثم أمره برد المال إلى بيت مال المسلمين
وما فعله أيضاً مع أبى هريرة رضى الله عنه عامله فى البحرين ، إذ قال له : استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ، ثم بلغنى أنك ابتعت أفراساً بألف وستمائة دينار .
فقال أبو هريرة : كانت لنا أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت .
فقال عمر : قد حسبت لك رزقك ومؤنتك وهذا فضل فأده .
فقال أبو هريرة : ليس لك .
قال عمر : بلى والله أوجع ظهرك ، ثم قام إليه بالدرة فضربه حتى أدماه ، ثم قال آت بها .
فقال أبو هريرة : احتسبتها لله .
فقال عمر : ذلك لو أخذتها من حلال وأديتها طائعاً .
وكذلك سؤاله لعامله على مصر عمرو بن العاص عن مصدر ثروته الجديدة بقوله : لم تكن لك حين وليت مصر ، فمن أين لك هذا ؟
ولما أجابه ابن العاص أنه اكتسب ثروته من الزراعة والتجارة ، بعث إليه عمر رسوله محمد بن سلمة لمحاسبته ومشاطرته ماله .
فلما قدم رسول الخليفة على عمرو بن العاص شاطره ماله جله ودقه حتى نعليه أبى إلا أن يتقاسمهما ، فصادر أحدهما وترك له الآخر .
وهكذا أرسى عمر بن الخطاب المبدأ الذى ننادى به الآن ونطالب بتطبيقه واقعاً وعملاً ، ألا وهو مبدأ ( من أين لك هذا )
طبقه الفاروق عمر بحزم مع أقوى ولاته وأشهر قادته وأكبر فرسانه ، بل حتى مع آل بيته . يروى أنه قدم يوماً بريد ملك الروم على عمر ، فاستقرضت إحدى زوجاته ديناراً ، واشترت به عطراً وجعلته فى قوارير وبعثت به مع البريد إلى زوجة ملك الروم .
فقامت هذه بتفريغ القوارير مما فيها ، وملأتها جواهر ، وأرسلت بها إلى زوجة عمر .
فلما بلغ الخبر عمراً أخذ الجواهر فباعها ، ودفع إلى أمرأته ديناراً ، وجعل ما بقى من ذلك فى بيت مال المسلمين .
وعن عبد الله بن عمر قال : اشتريت إبلاً ، فلما سمنت قدمت بها إلى السوق ، فدخل عمر ، فرأى إبلاً سماناً قال : لمن هذه ؟ فقيل له : لعبد الله بن عمر ، فجعل ينادى يا عبد الله بخ بخ . ابن أمير المؤمنين .
فجئته أسعى . فقلت : مالك يا أمير المؤمنين
فقال : ما هذه الأبل ؟
قلت : إبل اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى أبتغى ما يبتغى المسلمون ، فأنكر عليه هذه التجارة لاستغلالها وقال : يا عبد الله أغد على رأس مالك ، واجعل باقيه فى بيت المال .
ومن أساليبه رضى الله عنه استخدام الحيلة للكشف عن حال الولاة والعمال ، ومن ذلك أنه سمع بعودة أبى سفيان من عند ولده معاوية والى الشام ، فوقع فى نفسه أن ولده حمله فى عودته بمال ، فلما جاء أبو سفيان قال له عمر : أجزنا يا أبا سفيان .
قال : ما أصبنا شيئاً فنجزيك .
فمد يده إلى خاتم فى يده فأخذه ، وبعثه مع رسول إلى هند زوجة أبى سفيان ، وأوصاه أن يقول لها باسم زوجها : أنظرى إلى الخرجين اللذين جئت بهما فابعثيهما ، فما لبث أن عاد بخرجين فيهما عشرة آلاف درهم فطرحها فى بيت المال .
( المراجع / تاريخ الطبرى ـ للطبرى / عمر بن الخطاب ـ د . سليمان الطماوى / عبقرية عمر ـ عباس محمود العقاد / الرقابة المالية فى الإسلام ـ د . عوف الكفراوى )